“التطبيع”… القصة كاملة 1/3 – مجلة الفلق الإلكترونية (alfalq.com)
“التطبيع”…القصة كاملة 2/3 – مجلة الفلق الإلكترونية (alfalq.com)
نبال خماش
فكرة أساسية انبثقت عنها كافة التفصيلات والمعطيات التي جرى استعراضها في الحلقتين السابقتين، وهي أن نشأة منطقة المشرق العربي، بهذه الهيئة الإقليمية/الدولية المعاصرة في مطلع القرن العشرين، قد ارتبطت على نحو عضوي مع بدايات زراعة وتخليق قوى العالم الغربي لوجود غريب عن جسم المنطقة العربية، من خلال هذا التعهد الاستعماري بإقامة كيان قومي لليهود في فلسطين. وكان الغرض من هذا الإعلان والالتزام بتنفيذه، هو إنشاء قاعدة جغرافية بعد استلابها من أصحابها الأصليين وزرع كتل بشرية وافدة مكانهم، وتوظيف ذلك كله خدمة لأغراض وأهداف الغرب ومصالحه الإمبريالية. وركزت كافة أدبيات السياسة المرتبطة بهذه الفترة، ومن خلال الدعاية بضرورة التعاون والتشاركية، ركزت على ضرورة أن يغدو هذا الجسم الغريب بمثابة المركز لحوض اقتصادي وسياسي كبير، وأن تتعمق لدى المسؤولين وأصحاب السلطة في المنطقة العربية، فكرة أن تبدلات حقيقية قد ظهرت على مفهوم الحكم والسيادة، وأن المعنى الحقيقي لمفهوم ” الشرعية” قد طرأت عليه بعض التعديلات، فمن دون تفاعل وبذل في سبيل كسب تأييد ورضى هذا الجسم الغريب، والهرولة نحوه، يظل مفهوم الشرعية ناقصا، وضمانات البقاء والاستمرارية تبقى مهددة.
تحتم سيرورة الأشياء والمآلات التي انتهت إليها تطور الأحداث وتسلسلها، أن تحولا ضخما قد حدث، وأن وجهة غير الوجهة باتت هي المقصد، وما كان يُعتبر لفترة غير بعيدة لا مفكرا به وغير متخيل، بات الآن وكأنه فرصة لا ينبغي خسارتها. تبدّل بلغت حدته أن ما كان يروج له باعتباره شاذا وغريبا، بات وفق المنظور الحالي معيارا لما هو طبيعي وقويم، وهذا هو حال وواقع ظاهرة ” التطبيع/التهويد” في أيامنا. فعلى مدى عقود كانت فكرة الإقبال على قوة سالبة للحقوق، وما من أثر وراءها سوى التدمير والتخريب والتشريد، فكرة تتجاوز حدود المنطق وحتى الحس الإنساني، وعليه جرى تحديد نمط هذه الظاهرة، ضمن أطر من السرية لكل من وجد أن مصلحته وبقاءه مرتبط بشكل أو آخر مع وجود واستمرارية هذا الكيان الغريب، وهو الطابع الذي بقي طاغيا على هذا النمط قرابة ثلاثة عقود.
واستكمل هذا النمط حضوره وفعاليته بعد إعلان نشأة الكيان الصهيوني كدولة في عام 1948. فتواصلت اللقاءات والتفاهمات السرية بين أكثر من طرف عربي، ومسؤولين صهاينة، ونسبة غير قليلة من هذه اللقاءات كان يمارس الزعيم العربي فيها أساليب الوشاية والكيد بحق خصومه من القادة العرب، وتحذير زعماء الصهيونية، في مشهديات موثقة بالصوت والصورة، من مفاجآت يجري الإعداد لها في المطقة، من شأنها أن تشكل عنصر تهديد حقيقي لهذا الكيان. مشهديات تكشف عن متواليات الخدمة، خادم صغير يعرض خدماته على الخادم السيد، خادم الغرب ووكيله الرئيسي، والسيد بلا منازع في إقليمه.
وبقي مستوى العلاقة العربية – الصهيونية ضمن هذه المحددات من العلاقة حتى عام 1979، ففي ذلك العام، وبعد توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، دخلت عملية “التطبيع/التهويد” مستوى ثان، وهو ما يمكن وصفه بـ “التطبيع الرسمي”. ومنذ بداية هذه العلاقة، كانت هناك مطالبة صهيونية بتطبيع كامل في العلاقات، وبموازاة هذه الرغبة كانت هناك قابلية لدى النظام المصري في الذهاب بعيدا بهذه العلاقة على النحو الذي يرضي الكيان الصهيوني، إلا أن الشعب المصري في غالبيته الساحقة، لم يكن متقبلا لهذا الوضع الشاذ الذي تحاول الدولة فرضه وإقحامه بكافة الوسائل، وصولا إلى أساليب الترغيب والترهيب. فبقيت العلاقة ضمن محددات نمط التطبيع الرسمي. وبالفعل، ونتيجة العلاقة الرسمية بين الجانبين، أخذت تبرز وللمرة الأولى على الساحة العربية، عدد من مظاهر التعاون المعلن بين دولة عربية والكيان الصهيوني، كما أعلن عن انتهاء حالة الحرب بين الجانبين، وانسحبت إسرائيل من سيناء، إضافة لتوقيع خمسين اتفاقية في مختلف المجالات: الاقتصادية، الثقافية، الأمنية، العسكرية، السياحية… المهم أن اتفاقية السلام تلك لم تتتاول مستقبل القضية التي كانت تعتبر قضية مصيرية بالنسبة لمصر، وجرى إغفال القضية الفلسطينية تماما في هذه الاتفاقية.
وبالإضافة إلى الفوائد التاريخية التي جنتها إسرائيل من توقيع هذه الاتفاقية، بحيث يمكن اعتبارها نقطة التحول الرئيسية في تأكيد الحضور الصهيوني في المنطقة، والوسائل التي سيعتمدها هذا الكيان لتحقيق غاياته بعد تحييد القوة العربية الأكبر في المنطقة، وكانت هذه النتيجة بذاتها، عنصر اطمئنان ومبعث ثقة لإسرائيل كي تعتمد الخيارات والوسائل التي تناسبها، وباعتباره كيان عدائي بطبعه، فإن الخيار العسكري واستخدام العنف كان هو الخيار الأكثر ملاءمة لطبيعته، الوسيلة الأكثر انسجاما مع تطلعات فرض هذا الكيان وجوده في المنطقة تمهيدا لتطويعه في المستقبل القريب. بمعنى آخر …
إن خروج ظاهرة “التطبيع” من نمطيته السرية إلى نمطيته الرسمية، وما تخلله من تحييد لأكبر قوة عربية في المنطقة، منح الصهاينة جرعة مفرطة في الثقة للتحرك بحرية في المنطقة دون رادع، ولم يكن من معنى لهذه الحركة سوى معنى واحد… هو الإفراط في استخدام العنف ومواصلة الاعتداءات على دول وكيانات عربية ينظر إليها باعتبارها تهدد المشروع الصهيوني. فوجهت إسرائيل ضربة جوية للمفاعل النووي العراقي “يونيو/ حزيران 1981” وشنت حربا واسعة على لبنان من خلال غزو جنوبه “يونيو/حزيران 1985″، كذلك ضرب مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس “أكتوبر/تشرين الأول 1985” إضافة إلى إحكام السيطرة بشكل غير مسبوق على الأجزاء المحتلة في الضفة الغربية والجولان وغزة، وتوسع عمليات الاستيطان. ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم فإن المسار الخاص بالتطبيع لم يتغير، تحييد الدول العربية وعزلها عن بعضها في أي اتفاق يجري بحثه، فصل القضية الفلسطينية عن أي مسار أو مسعى تفاوضي، والتزام موقف محايد إزاء أي عدوان إسرائيلي على أي مظهر من مظاهر القوة العربية أو الفلسطينية.
بعد خمسة عشر عاما من توقيع المعاهدة المصرية/الإسرائيلية، وقعت الأردن اتفاقية “وادي عربة” مع الكيان الصهيوني. ورغم أن المعاهدة وملاحقها تضمنت العديد من القضايا والمسائل العالقة بين الطرفين، مثل المياه والحقوق السيادية ومسألة اللاجئين، وجميعها قضايا لا زالت عالقة إلى اليوم، رغم هذا الانجاز الهام، إلا أن غالبية السياسيين في إسرائيل، لا يتعاملون مع هذه الاتفاقيات ولا ينظرون إليها إلا منظور شكليّ، وأن المضمون الحقيقي وفق رؤية اليمين الإسرائيلي المتشدد على وجه الخصوص، كامن في فكرة أن الأردن جزء من أرض إسرائيل، وأن استثناءه من “وعد بلفور”; خطأ استعماري ينبغي تصحيحه. وعليه فإن فرحة الجانب الأردني بتوقيع اتفاقية “سلام” مع الإسرائيليين كانت كبيرة، بحيث يمكن القول إنه بات مطلبا ملحا للجانب الأردني أكثر منه حاجة وضرورة للجانب الصهيوني، بحيث جرى ولأول مرة ترسيم الحدود السيادية للأردن بشكلها الحالي، وهو معنى كرره أكثر من مرة رئيس الفريق الأردني المفاوض، ورئيس الوزراء الأسبق، عبد السلام المجالي. ورغم ذلك، فإن القاعدة الصهيونية لا زالت حاضرة، ولا زال الشعار الصهيوني التاريخي ” نهر الأردن له ضفتان، واحدة لنا…والأخرى كذلك” آخذ في الظهور العلني بين فترة وأخرى.
إلا أن البند الخاص باحترام الدور الخاص للملكة الأردنية في الأماكن الدينية، إسلامية ومسيحية، في مدينة القدس، ضمن ما يعرف بـ “الرعاية/الوصاية الهاشمية للمقدسات”، فإن هذا البند، هو في الحقيقة بمثابة ورقة ضغط تمارسها الحكومة الإسرائيلية على الأردن بين فترة وأخرى، استقراره وهدؤه يعتمد على معطيات ومبررات سياسية بالدرجة الأولى، وكذلك الحال بالنسبة لاضطرابه والمخاوف التي تبدأ تتفاقم وتتضخم بين فترة وأخرى.
ولم يبلغ الأردن إلى الآن مستوى الاطمئنان الكامل من استمرارية الصلة والرباط الديني الوظيفي بين الأسرة المالكة والأماكن الدينية في القدس، وليست عشرات، بل مئات التصريحات الرسمية التي تصدر بين فترة وأخرى، وجميعها تؤكد تمسك الأردن بالوصاية الهاشمية وعدم تفريطها بهذه الشرعية، إلا دليلا واضحا على حالة القلق وعدم اليقين من حسم هذا الأمر الذي يعتبر مصيريا بالنسبة للنظام الأردني، ومؤشرا على قضايا كبرى تتعلق بمصير هذا النظام ومستقبله.
يدرك الجانب الصهيوني مدى تعلق النظام الهاشمي بمسألة الوصاية وحاجته إليها، وهو إدراك تأسس عليه توظيف لهذه القضية على نحو يخدم السياسة الإسرائيلية، والاستثمار بها وتوظيفها كعنصر إغراء لأطراف عربية أخرى في سبيل انخراطها بشكل رسمي في ” التطبيع ” مع إسرائيل، وما من جهة يخشى الأردن منافسته في هذا الملف أكثر من المملكة العربية السعودية. وتحت مبررات وترويج إعلامي مثل أن السعودية دولة تشرف على أهم الأماكن الإسلامية، وتقوم بهذا الواجب الديني بصورة مرضية؛ تصبح مسألة توحيد الجهة التي تتولى الإشراف على هذه الأماكن مسألة يمكن الترويج لها وتقديم المبررات الكفيلة حتى تبلغ الفكرة درجة معقولة من القبول لدى الرأي العام الإسلامي.
وبالإضافة إلى الدور التاريخي كـ “برج مراقبة” وهي المهمة التي أنجزها باقتدار فترة النمط التطبيعي السري، فإن الأردن يضطلع بأخطر وأكثر الأدوار حساسية وأهمية في مجمل عمليات التطبيع في المشرق والخليج العربيين فترة النمط الرسمي. فمنذ نشأته ككيان سياسي وإلى يومنا هذا، لم يفقد الأردن أهميته الإستراتيجية التي أدركتها القوى الاستعمارية باعتباره معبرا بريا وجويا بين فلسطين باعتبارها قاعدة استعمارية موعودة لليهود، وبين العراق والجزيرة العربية، أكثر الكيانات الواعدة بالنفط آنذاك. إضافة لدوره الوظيفي باعتباره حاجز فصل مؤتمن بين فلسطين وهذه الكيانات. ويجري هذه الأيام حديث وتنشر العديد من التصريحات الرسمية لأكثر من طرف حول قرب الانتهاء من مشروع سكة حديد يربط المدن الفلسطينية مرورا بالأردن ومن هناك يفترق الخط الحديدي باتجاه مدن الخليج الرئيسية، دون استثناء. واعتبر نائب سابق لرئيس وزراء أردني، أن المشروع ماض بشكل متسارع ويوشك أن يعلن عن افتتاحه.
و” التطبيع/التهويد ” في الأردن مر بمراحل، ابتداء من التطبيع الرسمي الذي قوبل بمعارضة شعبية، إلى التطبيع الفاتر الذي يتزامن مع كل حرب تشنها إسرائيل على قطاع غزة، ومع كل تصعيد في اعتداءات الصهاينة على المقدسات الإسلامية في القدس على نحو يعتبره النظام تعديا على مشروعيته ووصايته على تلك الأماكن، إلا أن هذه الظاهرة من التطبيع بدأت تم بنمط جديد ومختلف عما سبقه من أماط التطبيع، وهو الذي يمكن تسميته بـ ” التطبيع القسري ” حيث بات المواطن الأردني يشعر أنه مضطر للتعامل مع ما هو صهيوني على نحو من الأنحاء، خاصة عندما يكون الأمر مرتبطا بمظاهر تمس على نحو مباشر حياة الإنسان العادي وتدخل في صميم الحياة المعاصرة، والحديث ها تحديدا عن توفر الطاقة وخدمات المياه. حيث اضطرت الحكومات الأردنية المتعاقبة المواطن العادي ومنذ عام 2014 على كسر حاجز المقاطعة لإسرائيل من خلال ضرورة الاستهلاك واستخدام موارد لا سبيل للاستغناء عنها. كل هذا يتحقق على أرض الواقع، رغم أن الأردن، وبحسب تأكيدات مسؤولين ووزراء سابقين شغلوا مواقع المسؤولية عن هذه القطاعات، يؤكدون باستمرار أن الأردن غني بكلا الموردين الأكثر أهمية: الطاقة والمياه، إضافة إلى وجود عدد من الخيارات يمكن اللجوء إليها بعيدا عن إسرائيل، وأنه لا صحة لأي مبرر تسوقه الحكومات في إصرارها على التمسك بالبديل أو الخيار الإسرائيلي.
واليوم… تتعرض المنطقة العربية، وتحديدا منطقة الخليج العربي، لموجة ثالثة من موجات التطبيع، والتي يمكن وصفها بـ ” التطبيع/التهويد… الكامل”، وهذه الحكومات انتقلت في علاقتها مع الكيان الصهيوني من مرحلة التطبيع الأولى، السري، إلى هذه المرحلة دون المرور بمرحلة التطبيع الرسمي. وأهم دول هذه المجموعة هي الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، ويمكن إضافة لهما ولكن بوتيرة شعبية أقل كل من السودان والمغرب. وفي هذه النمط التطبيعي تتوجه الحكومات الوطنية بكامل دعايتها وتأثيرها الإعلامي نحو جمهورها المحلي، وتمارس كافة وسائل التأثير الدعائي والإعلامي، وهي سياسة أثبتت جدواها ونتائجها المرجوة بالسبة للحكومات الوطنية إلا أن عمرها قصير، إذ سرعا ما تبدأ التأثيرات الدعائبة بالاحسار على نحو تدريجي. وإذا أخذنا الإمارات العربية كنموذج على هذا النمط، نجد أن لحظة توقيع ما يعرف بـ ” الاتفاقات الإبراهيمية” لم تكن في الحقيقة إلا ثمرة اتصالات سرية استغرقت عشرين عاما خلت من العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك بين أبو ظبي وتل أبيب. واستثُمرت هذه العلاقة إلى أبعد مدى في سبيل كسب تأييد ودعم محلي على نطاق واسع.
وبالفعل فقد ذهب الشعب الإماراتي إلى مستويات من التعبير عن مدى الرضى والقبول بهذه السياسة التي اعتمدتها حكومتهم لم يذهب إليها أي من الشعوب العربية التي أبرمت حكوماتها اتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني. غير أنه، وبعد مضي فترة من لحظة تتويج العلاقة الثنائية، ونتيجة الاحتكاك المباشر مع الجانب الآخر من معادلة التطبيع، أخذ حماس المجتمع الإماراتي بالانحسار على نحو تدريجي، وهي حالة شهدتها كافة شعوب المجتمعات الخليجية التي مرت بهذه التجربة أو شبيه بها.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن للأبحاث في شهر يوليو/تموز الماضي، أن هناك تراجعا ملحوظًا في نسبة مؤيدي اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل في كل من البحرين والإمارات مقارنة بنتائج استطلاع أجراه المعهد في العام الماضي. وشملت الدراسة الاستطلاعية كذلك المجتمع السعودي، وأظهرت النتائج أن آراءه وتوجهاته لا تختلف كثيرا عن آراء المجتمعات الخليجية المجاورة، وبدا واضحا لعدد من المحللين أن نمط التطبيع الذي بدأ يسود في منطقة الخليج العربي، لن يتجاوز مرحلة النمط الرسمي، مضافا إليه قليل من الحماسة الجماهيرية.
إن الأمن والاستقرار من أكثر القضايا التي يعنى بها المواطن الخليجي بصورة عامة، إلا أنه بدأ يلمس ومنذ توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية أن هذا العنصر الحيوي بات مهددا. فعلى الرغم من حالة القلق وعدم الاستقرار في علاقات دول خليجية: السعودية، الإمارات العربية، البحرين… مع إيران، إلا أن قادة هذه الدول ملتزمون بمحددات السياسة الواقعية في علاقتهم مع الجانب الإيراني، في حين تمارس الحكومة الإسرائيلية كافة أشكال الضغط على هذه الحكومات باتجاه التصعيد، وصولا إلى حالة إعلان حرب ضد طهران بمشاركة الجيش الإسرائيلي، وهي مغامرة تحرص دول الخليج على عدم الخوض فيها. ووفقا لهذه الرؤية سارعت الإمارات العربية والعربية السعودية إلى نفي وجود تحالف ناتو شرق أوسطي، وأن حكومات البلدين تعنى بازدهار شعوبها وتحقيق مزيد من المظاهر التنموية.
ورغم هذا التعارض في قضية هامة وحساسة مثل شكل العلاقة مع إيران، إلا أن قطار التطبيع في منطقة الخليج العربي لا يزال في بداياته، ولا يتوقع أن نشهد قريبا مزيدا من إبرام معاهدات ” سلام” بين دول خليجية “قطر، سلطنة عُمان، الكويت” مع الكيان الصهيوني. أما المملكة العربية السعودية، ورغم مظاهر التعاون الواضحة للعيان بين الرياض وتل أبيب من دون أن تأخذ صفة رسمية؛ فإنها ،على الأرجح، ستكون آخر دولة خليجية تعلن التحاقها بهذه العملية، وأن الانضمام الرسمي لن يتحقق في عهد الملك الحالي، سلمان بن عبد العزيز، خصوصا وأنه من الجيل الذي شارك في الإعداد والدفاع عن المبادرة العربية لحل القضية الفلسطينية، التي تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 وعودة اللاجئين، وهي قضايا باتت تعبر عن مرحلة سابقة من مراحل الصراع العربي- الصهيوني، والعمل من خلال البحث عن صيغة نظرية وواقع عملي جديد يتوج في النهاية بمبادرة، أو طرح مشروع جديد، يبقى الاحتمال الأكثر انسجاما مع التطورات التي تشهدها المنطقة.